The Policy Initiative

  • eng
    • share
  • subscribe to our mailing list
    By subscribing to our mailing list you will be kept in the know of all our projects, activities and resources
    Thank you for subscribing to our mailing list.
07.23.24

نظام ضريبي من أجل الحماية الاجتماعية

سامي زغيب,
سامي عطا الله

تستدعي الاضطرابات المالية والاقتصادية الحادّة التي يعاني منها لبنان إجراءَ تحوُّل مجتمعي جوهري، لإصلاح نسيجه الاجتماعي الممزَّق وبناء الثقة بين الحكومة والمواطنين. وتُعَدّ الإستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية مبادرةً محوريةً لتحقيق هذه الغاية، فهي تهدف إلى إدخال إصلاحات جذرية على النهج الذي تعتمده الدولة في تقديم الرعاية الاجتماعية. وتحدِّد هذه الإستراتيجية، التي أطلقتها الحكومة اللبنانية في شباط/فبراير 2024، نطاقَ التغطية، والفعاليةَ المتوقَّعة، والإطارَ المؤسَّسي، والتمويلَ للركائز الخمس الرئيسية، وهي: المساعدات الاجتماعية، والتأمين الاجتماعي، والرعاية الاجتماعية، والوصول إلى الخدمات الاجتماعية، وتفعيل سوق العمل. 

في ضوء ذلك، نظّمت مبادرة سياسات الغد، بالتعاون مع اليونيسف، حلقة نقاش في 21 شباط 2024 مع أبرز المسؤولين الحكوميين، والنوّاب، والخبراء، والمشاركين من المؤسَّسات المحلِّية والدولية، لتسليط الضوء على الإصلاحات ذات الأولوية المدرَجة في الإستراتيجية، ووضع تدابير ملموسة لتمويلها بموجب إطار ضريبي مُنصِف وعادل. يلخِّص هذا المقال النقاط الرئيسية التي نوقِشت خلال الاجتماع، كما يوضّح ثلاث مجموعات من الإصلاحات المطلوبة لزيادة الإيرادات تتمثّل في مكافحة التهرُّب الضريبي، وزيادة معدَّلات الضرائب، وفرض ضرائب جديدة.

أزاحت الأزمة التي يشهدها لبنان النقابَ عن العجز الكبير في آليّات الحماية الاجتماعية في البلاد، في ظلّ ما تعانيه أعدادٌ لا تُحصى من الأسر والأطفال جرّاء الفقر المدقع، واضطرارهم، من أجل الحصول على الدعم، إلى الاعتماد على شبكات غير رسمية، غالبًا ما تكون تابعةً للطوائف. لذا، من الضروري توافر نظام شامل وفعّال من أجل حماية الأسر الضعيفة وضمان رفاه الأطفال الذين أرخت الأزمة بثقلها عليهم، لا سيّما الفقراء منهم. ومن هنا، تقترح هذه الإستراتيجية نموذجًا مختلطًا للحماية الاجتماعية يجمع بين نهجٍ قائمٍ على دورة الحياة وآخرَ قائمٍ على الركائز، يهدف إلى استعادة دور الدولة بصفتها الضامن الأساسي للأمن الاجتماعي، والابتعاد عن أنظمة الحماية المجزّأة والطائفية، لاعتماد إطار شمولي قائم على الحقوق يساعد على تعزيز التعافي والنموّ.

تعرض الإستراتيجية رؤيةً حول الإصلاحات الرئيسية اللازمة لإعادة إحياء البنية التحتية للحماية الاجتماعية في لبنان، بما في ذلك إصلاح الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وإنشاء نظام موحّد للحماية الاجتماعية الصحِّية، وتعزيز هيكل الحَوْكَمة في إدارة الأمن الاجتماعي. ولن تكون هذه الإجراءات مجرّد تعديلات إدارية، إذ إنّها تشكّل خطوات أساسية باتّجاه استعادة ثقة الشعب اللبناني بحكومته، لا سيّما من خلال التشديد على الدور المحوري الذي يؤدّيه رأس المال البشري في جهود تحقيق التعافي الوطني.

تشكّل الإعانات الاجتماعية المقترَحة أحد أهم العناصر التي تتضمّنها الإستراتيجية، إذ تهدف إلى تقديم الدعم للمواطنين الذين يواجهون صعوبات، من أعمارٍ شتّى. وتشمل الإستراتيجية تخصيص مِنحة وطنية للطفولة، ونفقة لذوي الإعاقة، ومعاشات تقاعدية لكبار السنّ، إلى جانب توسيع نطاق برنامج شبكة الأمان الاجتماعي الذي يستهدف الأسر الأكثر فقرًا. ويمكن لهذه الإعانات، في الظروف المثلى، أن تسهم في توفير الحدّ الأدنى من الحماية الاجتماعية لتلبية الاحتياجات الملِحّة للفئات السكّانية الأكثر تأثُّرًا وفقرًا. ومن المتوقَّع أن تبلغ تكلفة هذه البرامج نحوَ 500 مليون دولار سنويًّا، على مدى 5 سنوات، ما يؤكّد الحاجة إلى إستراتيجيات تمويل وطنية قائمة على الضريبة التصاعدية، لضمان استدامة تمويل برامج المساعدة الاجتماعية وزيادة عددها.

يعتمد تحقيق الرؤية الطموحة لهذه الإستراتيجية على قدرة لبنان على إنشاء بيئة ضريبية ملائمة، وتأمين الموارد المالية الكافية. وتُعَدّ الإيرادات التي تتحَقَّق من خلال السياسات الضريبية المناسبة ضرورية لتحسين الإنفاق على البرامج الاجتماعية، لا سيّما البرامج التي لا تعتمد على الاشتراكات/المموَّلة عبر الضرائب، كما أنّها تسهم في تحويل الأولويات إلى نتائج ملموسة تعود بالنفع على الأسر والأطفال الأكثر تأثُّرًا. وتشمل مجموعات الإصلاح الثلاث التي سُلِّط عليها الضوء خلال الاجتماع، والتي تهدف إلى تعزيز إيرادات الدولة، إعطاءَ الأولوية لمبدأ الإنصاف، ومكافحة التهرُّب الضريبي، وزيادة معدَّلات الضرائب، وفرض ضرائب جديدة.

أدّى انتشار التهرُّب الضريبي إلى تقويض دعائم الاقتصاد اللبناني بدرجة كبيرة، إذ تشير التقديرات إلى خسارة البلاد نحو 5 مليارات دولار بسبب هذه الممارسة في عام 2017 وحده، ما يمثّل نحوَ 10% من الناتج المحلِّي الإجمالي في ذلك العام. لكن من الممكن استعادة نسبة كبيرة من هذه الإيرادات التي خسرها لبنان من خلال تطبيق تدابير صارمة لمكافحة التهرُّب الضريبي. لا شكّ في أنّ تحسين إنفاذ القوانين الضريبية، وسدّ الثغرات القانونية، واعتماد تقنيات حديثة في تحصيل الضرائب، خطواتٌ أساسية في هذا الاتّجاه. ويمكن للحكومة، من خلال تشديد الإجراءات ضدّ التهرُّب الضريبي، مضاعفة الأموال الضرورية لتمويل برنامج الإعانات الاجتماعية.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن تحقيق إيرادات كبيرة من خلال تضمين برنامج الإصلاحات المالية في لبنان فرضَ ضرائب على الأرباح الضخمة وغير المتوقَّعة، والناتجة من تسديد القروض. فقد حقّق المقترضون الذين سدّدوا قروضهم على سعر الصرف الرسمي (الذي كان أقلّ بكثير من سعر الصرف في السوق)، في أثناء الأزمة المالية، مكاسبَ هائلة. وتُقدَّر القيمة الإجمالية لهذه المكاسب، التي هي، في الأساس، نتيجةٌ اقتصادية ثانوية لسياسات إدارة الأزمة، بنحو 34 مليار دولار. لذا، يمكن للحكومة اللبنانية، من خلال فرض ضرائب على هذه الأرباح باستخدام معدَّلات تصاعدية لضريبة الدخل تتراوح بين 4% و25%، أن تحقّق إيرادات كبيرة. فعلى سبيل المثال، إذا فرضت الدولة معدَّلَ ضريبة معتدلًا بنسبة 10% على تلك المكاسب، فقد تحقّق إيرادات بقيمة 3.4 مليارات دولار. 

كما أنّ فرض ضريبة بنسبة 17% على الأرباح المحقَّقة عبر التعاملات على منصّة «صيرفة»، التي أكسبت فئة قليلة من المواطنين أرباحًا ضخمة، قد يؤدّي إلى تحقيق إيرادات كبيرة للدولة؛ وقد يسهم هذا الإجراء وحده في توليد نحو 500 مليون دولار، بناءً على تقديرات الأرباح المحقَّقة من المنصّة. كذلك، يمثّل فرض الضرائب على العقارات الشاغرة فرصة مهمّة لتحقيق الإيرادات.

في هذا السياق، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ وجود نحو 20% من العقارات الشاغرة في بيروت والتي تُستَخدم غالبًا كأصول مالية، يؤدّي إلى زيادة أسعار البيع والإيجار؛ من هنا، إنّ فرض ضريبة سنوية بنسبة 1% على الوحدات السكنية، إذا ما افترضنا أنّ متوسّط سعر الوحدة يبلغ 150,000 دولار، سيحقّق إيرادات قد تصل قيمتها إلى نحو 60 مليون دولار من منطقة بيروت وحدها.

فضلًا عن ذلك، من شأن فرض ضرائب مباشرة جديدة على الأفراد ذوي الدخل المرتفع والجهات التي تحقّق أرباحًا كبيرة أن يزيد إيرادات الحكومة بشكل ملحوظ؛ كما يمكن تعديل الضرائب التصاعدية على الدخل، والأرباح، ومكاسب رأس المال الخاضعة حاليًّا لضرائب متدنِّية، لضمان مساهمة أكثر عدالة في الإيرادات من جانب الشرائح الأكثر ثراءً في المجتمع. فزيادة المعدَّلات الضريبية على هذه الفئة، من 1% حاليًّا إلى ما يقارب 6% من الناتج المحلِّي الإجمالي، قد تدرّ إيرادات كبيرة على خزينة الدولة.

كما أنّ فرض «ضريبة السلع الضارّة» على المنتجات التي تؤذي الصحّة والبيئة كالتبغ، والكحول، وبعض السلع الفاخرة، قد يحقّق منفعة مزدوِجة؛ إذ قد يحدّ ذلك من استهلاك هذه المنتَجات، بينما يسهم، بشكل مباشر، في تمويل برامج الأمن الاجتماعي. 

يشكّل تنفيذ الإستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية منعطفًا حاسمًا للبنان، إذ يفتح آفاقًا نحو إنشاء مجتمع أكثر عدالة وشمولية، حيث تؤدّي الحكومة دورها كاملًا كضامنة للرعاية الاجتماعية. وفي الواقع، لا تقتصر هذه الإستراتيجية على تحقيق التعافي الاقتصادي، بل تُعَدّ خطوة جوهرية باتّجاه إعادة صياغة العقد الاجتماعي بين المواطنين والدولة في لبنان، بما يشمل الحاجة إلى تحقيق التعاضد، والمساواة، والمسؤولية الجماعية. لكنّ ذلك يتطلّب إرادة سياسية صلبة، والتزامًا بالإصلاح الشامل، بدءًا بتطبيق هيكلية ضريبية تضع مصلحة المجتمع في صلب أولوياتها.

 


هذا المقال هو جزء من تعاون مبادرة سياسات الغد مع اليونيسيف في إطار مشروع مشترك بعنوان "تحليل ومناصرة للسياسات الضرورية والإصلاحات"، بهدف تعزيز البحث المستقل والدعوة إلى تغيير السياسة العامة. يجدر بالذكر أن اليونيسيف لا تقر بوجهات النظر/التحليلات/الآراء التي يعبر عنها الكتّاب.

From the same author

view all

More periodicals

view all
Search
Back to top