توضَع السياسات العامة تلبيةً للاحتياجات المجتمعية. فالقوانين والأنظمة والقرارات التي يتبنّاها صانعو السياسات تؤثّر على نواحي حياتنا كافّة، من الوصول إلى الكهرباء، وجودة نظام الرعاية الصحية، إلى الوظائف، ونظام التقاعد الذي يحمي كبار السنّ.

وتستحقّ تلك السياسات أن نعيرها اهتمامنا لأن صانعيها لن يفكّروا في خدمة المصالح العامة إلا عندما يكونون عرضةً للمساءلة. 

لكن يبدو أن السياسات في لبنان قد فقدت طبيعتها "العامة"، إذ إن النخب السياسية تصوغها على قياس النخب، مُقدّمةً مصلحتها الخاصة على المصلحة العامة. وقد أفضى ذلك إلى إدارة عامة قائمة على الاستقطاب، استشرى فيها الفساد، ما تسبّب بعددٍ لا يحصى من الأزمات التي تعجز تلك النخب عن حلّها، وهدّد بشدّة المجتمع بحدّ ذاته.

ومن أجل وضع الأُسُس المطلوبة لصنع سياساتٍ عامةٍ سليمة، لا بدّ من الاستناد إلى رؤية قائمة على الدراسات الوافية والأدلّة، تعكس مصالح الناس عامّة، وإلى جمهور واعٍ ومُمكَّنٍ قادرٍ على أن يكون عامل تغييرٍ في المجتمع.

لهذا السبب أسّسنا في شباط/فبراير 2021 مركز مبادرة سياسات الغد، وهو مركز أبحاث محليّ ومستقلّ نسعى من خلاله إلى المساهمة في بناء هذه الرؤية، وفي تمكين الرأي العام للمطالبة ببديلٍ أفضل. بتعبيرٍ آخر، تتمثّل مهمّتنا في إعادة السياسات العامة إلى الناس. 

وتحقيقاً لهذه الغاية، يهدف مركز مبادرة سياسات الغد إلى إجراء تقييمٍ تجريبي ونقدي للسياسات الحالية، وتوليد بدائل بنّاءة. كذلك نسعى إلى العمل مع الكيانات التي تشاركنا المنطق نفسه من أجل الاستفادة من الطاقة السياسية والفكرية الهائلة التي لا تزال موجودة في البلاد.

يطمح مركزنا أيضاً إلى الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الناس عبر وسائل الإعلام المختلفة. ففي غياب قيادةٍ قادرةٍ ومسؤولة، يبقى المُحاوِر الأساسي الذي نخاطبه هو الناس نفسها، وهذا يشمل جميع النقابات، والنقابات العمّالية، ومنظمات المجتمع المدني، والمجموعات السياسية البديلة. ونظرًا إلى الدور المتنامي الذي تضطّلع به الجهات المانحة، نسعى إلى التأثير في أجندتها في مجال السياسات العامة.

يزخر مؤسّسو مبادرة سياسات الغد الخمسة سامي عطالله، وهلا بجاني، وكريم ضاهر، ومنى فواز، ونزار صاغية، بسجلّ حافل من العمل البحثيّ والنشاط والنضال في سبيل لبنان أفضل، وقد دأبوا في خلال مسيرتهم على الحثّ على وضع سياسات أفضل. يأتي المؤسّسون الخمسة إلى مبادرة سياسات الغد بخبراتهم، وبفرق عملهم ومؤسّساتهم الخاصة.

يتميّز أعضاء فريق مبادرة سياسات الغد بخلفيّاتهم المتنوّعة وشبابهم ومهاراتهم. وقد أتاح التآزر والتكامل في ما بينهم تعزيزَ وتطويرَ مجموعة المهارات والمعارف الواسعة حول المواضيع التي يعالجها المركز، ولا سيّما أن بعضهم قد عمل لسنوات مع بعضهم الآخر. يحدّد فريقنا جدول أعمال مبادرة سياسات الغد، ويستند إلى أدوات بحثية مبتكرة لتكوين نظرة أعمق عن المشاكل، وإيجاد الحلول التي تلبّي مصلحة الناس عموماً.

ويساهم باحثونا الزملاء المنتشرون في أرجاء العالم كافّة في توسيع نطاق المعرفة التي يتحلّى بها فريق مبادرة سياسات الغد، بفضل خبراتهم وأساليبهم وأبحاثهم المتطوّرة التي ستدعم عملنا في لبنان. يختصّ باحثونا في شتّى المجالات، بدءاً من الأنثروبولوجيا، والاقتصاد، والتاريخ، والعلوم السياسية، وصولاً إلى الصحة العامة، وعلم الاجتماع، والدراسات الحضرية، وغيرها الكثير.  

لقد آن الأوان، في خضمّ الأزمات المحلية المتعدّدة وغير المسبوقة والتحدّيات الإقليمية، لإتاحة مسارٍ بديلٍ للبلاد يخدم الناس عامّة. ومركز مبادرة سياسات الغد يسعى إلى جانب شركائه إلى المساهمة في بلورة هذه الرؤية الجديدة.